رافق التحول الرقمي الكبير الذي عم العالم أجمع، رافقه تحول موازي في طريقة سير حياة البشر، ومن ملامح ذلك التحول في نشاطات البشر في حياتهم اليومية ما حدث في أنماط الشراء والبيع التي انتقلت للأدوات الرقمية مثل مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الإجتماعي واستخدام الحاسبات والأجهزة المحمولة وغيرها، فأصبح التسوق التقليدي بالذهاب للأسواق والمراكز التجارية في تغير مستمر، وانتقل الناس للمعاملات التجارية الرقمية.
لقد إنتشرت -وبشكل كبير – المعاملات المالية الرقمية بإستخدام أجهزة الموبايل وتطبيقاتها (محليا في بلدك، وعالميا مع كافة أرجاء الدنيا)، وهي تزداد يوما بعد يوم بل ساعة تلو ساعة، ووصل حتى إلى الدول الفقيرة والمجتمعات البسيطة التي لا تملك معارف كبيرة ولا تقنيات عالية، لكن دائما يقال أن التكنولوجيا تكتسح بما يشبه فعل السيول والفيضانات في المناطق المنخفضة، فمثلما لا تخبر السيول بمواعيد إكتساحها كذلك لا يدري الخبراء مدى إنتشار التقنيات الحديثة ولا حدود توسعها، فالجميع في سعي حثيث لإبتكار طرق دفع واستقبال أموال بإستخدام التكنولوجيا سريعة وآمنة لما توفره هذه التقنيات من سهولة ويسر في التبادل المالي بدلا عن الطرق التقليدية المرهقة والمنهكة.
ولعله من أهم التطورات التقنية التي حولت المفاهيم في الدنيا هو الإنترنت (الشبكة العنكبوتية) التي عمت أرجاء المعمورة، ووفرت بوابة رقمية غاية في السرعة واسعة الإنتشار وذاخرة بالإمكانيات والأدوات التي تسهل إجراء كل العمليات في لمح البصر، وإختصرت أميالا من السفر و ساعات من العمل وأضحت المهام تقضى بلمسات من إصبعك وأنت جالس في بيتك أو مكان عملك أو في الحقيقة من أي مكان وفي أي زمان!
لقد أدى كل ذلك لإنتشار شتى أشكال المواقع وأصنافها على الشبكة العنكبوتية (مواقع، صفحات بحث، متاجر الكترونية، منصات خدمات…. والمئات من الأنواع الأخرى حتى كادت أن تغطي كل شيء، وإنتشرت بنفس القدر ملايين تطبيقات الهواتف المحمولة، وارتبطت مع المواقع لتخلق منصات متعددة المداخل والبوابات، هذا غير منصات التواصل الإجتماعي والإعلام الجديد التي أعطت زخما لهذه المواقع والتطبيقات و زاحمتها في الخواص والتسهيلات.
ولإعطاء مثال على ذلك فلننظر للخدمات المصرفية؛ فأصبحت البنوك تمتلك مواقع ضخمة وقوية جدا على شبكة الانترنت بحيث يقوم العميل عبر موقع البنك بإجراء كافة معاملاته من مكانه ودون الحوجة لزيارة مبنى البنك أو فروعه إلا للضرورة، وكذلك سهلت تطبيقات المصارف إجراء المعاملات المالية اليومية من استقبال وإرسال للأموال بين الحسابات في لحظات، أما صفحات التواصل الإجتماعي فقد أصبحت القنوات المفضلة للمصارف للتفاعل مع العملاء وخدمتهم وإيصال رسائل البنك وخدماته الجديدة يوما بعد يوم.
وحتى الحكومات الذكية أصبح مصطلح سائد ومؤشر على التقدم الحضاري للبلدان والمجتمعات، فأنشأت الحكومات المنصات الرقمية الخاصة بها وتتنافس هيئاتها ومؤسساتها الحكومية في تسهيل معاملات الجمهور بإستخدام المواقع والتطبيقات الحكومية بدلا عن صفوف المعاملات في المباني الحكومية المنتشرة ةالمتعددة.
التقديم الجامعي والتكنولوجيا:
لم يكن التقديم الجامعي بعيدا عن هذا الزخم التكنولوجي، و ظهرت المنصات الرقمية المتخصصة في تيسير عمليات التقديم التعليمي المطولة والمعقدة وكثيرة التفاصيل متعددة المواقع الجغرافية وإختصرتها في خطوات ساهمت في تبسيط الإجراءات. فالطالب اليوم – وبإستخدام منصات التقديم الجامعي الرقمية الحديثة والقوية- لا يحتاج إلى الكثير فقط جهاز حاسوب أو تابلت أو موبايل:
يدخل على المنصة في صفحتها ويطلع على كافة التفاصيل والخيارات والمؤسسات التعليمية المتاحة على المنصة.
ثم يقوم بتسجيل الدخول للمنصة لبدء عملية التقديم والوصول الى استمارات التقديم المعدة بعناية فائقة تضمن إدخال البيانات بطريقة صحيحة.
المنصات المتميزة تحتوي على حاسبات آلية متخصصة في معادلة الشهادات المختلفة وموائمتها مع المتطلبات للمجال والجامعة التي يرغب فيها المقدم، تقوم هذه الحاسبات وأدوات المعادلة بإظهار نتيجة هذه البيانات مع المتطلبات بكل دقة وشفافية مما يسهل الأمر على المتقدم وينال الثقة التي يفتقدها عند طلب نفس الخدمة من مكاتب أو سماسرة أو وسطاء الخدمات التعليمية، نتيجتك أمام عينيك وبكل وضوح دون تدليس أو تضليل.
حتى إذا أيقن المتقدم من أنه قد وجد رغبته وعرف فرصه في الترشيح لها، أكمل الخطوات بتعيئة ما تبقى من بيانات ورفع المستندات الداعمة (بإستخدام الأدوات الرقمية المتاحة من ماسحات ضوئية وكاميرات عالية الدقة، وبصيغ رقمية منتشرة ومتاحة وسريعة).
يرسل المتقدم طلبه بضغطة زر، فتصل للمسئولين والمستشارين الأكاديمين خلف المنصة، الذين يقومون بدورهم بمراجعتها والتأكد من صحة تعبئتها وملائمتها.
يتم إبلاغ المتقدم بإكمال الإجراءات الخاصة بالرسوم المالية للعملية، وهذه تكون أيضا متاحة بعدة وسائل دفع رقمية مثل التطبيقات والبطاقات والتحويلات المصرفية (وكلها تتم رقميا ويتم تبادل إشعاراتها بنفس الطرق الرقمية).
هنا تبدأ ما يسمى مرحلة (التقديم للترشيح) حيث من المعتاد أن تقوم الجامعات والجهات الرسمية المعنية بإدراج الطلب ودراسة إمكانية قبول ترشيح المتقدم للرغبة التي طلبها في الكلية والجامعة المطلوبة.
عند إصدار الجهات المعنية لخطاب (قبول ترشيح) المتقدم، تقوم المنصة بإبلاغ نتيجة القبول للمتقدم، فإن قبل بما تم ترشيحه لها من رغبة انتقل للمرحلة التالية، أما إن اختار تغيير رغبته فيمكنه – عبر نفس المنصة- بالقيام بتكرار العملية مع رغبته الجديدة، ولكن بخطوات أقل حيث تحتفظ هذه المنصات الرقمية بأرشيف رقمي لكافة بيانات وشهادات المتقدم، وليس عليه سوى تعديل رغبته “وهذه ميزة عظيمة للمنصات الرقمية للتقديم الجامعي”.
عند قبول ترشيح المتقدم في رغبته، لن يتبقى أمامه سوى مرحلة (التقديم للقبول الجامعي) في الكلية التي إختارها وتم قبول ترشيحه لها، والتي ستحتاج المثول الشخصي وإبراز الشهادات الأصلية وإجراءات الفحص الطبي والمعاينات الشخصية في مباني الجامعة، وهذه أيضا تساعد المنصات الرقمية للتقديم الجامعي في تيسيرها ومساعدة المتقدمين في إكمالها.
معظم المنصات الناجحة تمتد خدماتها للذين تقدموا من خلالها للتقديم الجامعي لتشمل الخدمات اللوجستية وتذاكر السفر والإستقبال والسكن وحتى الدعم الأكاديمي بعد بدأ الدراسة.
الخلاصة تشير بوضوح إلى أن حاضر ومستقبل التقديم الجامعي هو في استخدام المنصات الرقمية، فهي الوسيلة الأسهل والأضمن والطريقة الآمنة متعددة الميزات…
ترى هلى ننتظر أدوات أكثر حداثة في المستقبل القريب؟
وهل يأتي يوم نرى فيه تقنيات الواقع الإفتراضي والواقع المعزز وإنترنت الأشياء تستخدم في التقديم الجامعي؟
لا شك عندي في ذلك
كمال الحاج